بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحمد لله عدد خلقه و رضا نفسه و زنة عشرة و مداد كلماته ، اللهم صل على محمد و آل محمد كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، أما بعد :-
فانطلاقا من حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم -[ مَـن سَـنَّ في الإسلام سُـنَّـةً حَـسَـنَةً فَـلَـهُ أجرُهـا و أجرُ مَـن عَـمِـلَ بها بَـعْـدَهُ ، مِـن غَـيْـرِ أن يَـنْـقُـصَ مِـن أجورِهِم شيءٌ ]- ، _-_ رواه مسلم برقم 1017 و له قصة _-_ ، وبمناسبة خسوف القمر الذي حصل بقدر الله ليلة السبت 15 شعبان 1429 هـ أحببت تنبيه نفسي و إخواني بما جاء عن العلماء في شأن صلاة الكسوف و الخسوف ، و وقع الإختيار على كتاب الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني [ صلاة المؤمن ، مفهوم ، و فضائل ، و آداب و أحكام ، و كيفية ، في ضوء الكتاب و السنة ] ، و الذي أنصح كل راغب في العلم باقتناء نسخة منه ^__^ ، و الله وحده نسأل أن ينفعنا بالعلم النافع و يوفقنا للعمل الصالح ^__^
-( أولا :- مفهوم الكسوف و الخسوف )-
الكسوف لغة : التغير إلى السواد ، يقال : كسفت حاله إذا تغيرت ، و كسف وجهه إذا تغير ، و كسفت الشمس : اسودّت و ذهب شعاعها _-_ المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم للقرطبي م2 ص 549 ، و الإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن المُـلَـقِّـن م 4 ص264 ، و فتح الباري لابن حَـجَـر : م 2ص526 _-_.
و الخسوف لغة: النقصان ، يقال: خسف المكان يخسف خسوفا : إذا ذهب في الأرض ، و يقال عَـيْن خاسفة : إذا غابت حَدَقَـتُـهـا ، منقول من خسف القمر ، و بئرٌ مخسوفة: إذا غاب ماؤها و نزف ، منقول من خسف الله القمر ، و تُـصُـوِّرَ من خسف القمر مهانة تلحقه ، فاستعير الخسف للذل ، فقيل : تحمل فلان خسفا _-_ مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني ص 282 _-_.
فكسوف الشمس و القمر و خسوفهما: تغيرهما و نقصان ضوئهما فهما بمعنى واحد و كلاهما صحت به الأحاديث ، و جاء القرآن بلفظ الخسوف للقمر _-_ المغن لابن قدامة: م 5 ص 321 _-_.
الكسوف أو الخسوف في الإصطلاح : احتجاب ضوء الشمس أو القمر أو بعضه بسبب معتاد يخوف الله به عباده ، فعلى هذا يكون الخسوف أو الكسوف مترادفان أي بمعنى و احد ، فيقال: كسفت الشمس و خسفت ، و كسف القمر و خسف _-_ الشرح الممتع على زاد المستقنع للشيخ ابن عثيمين: م 5 ص 229 _-_.
و قيل : الكسوف للشمس و الخسوف للقمر _-_ المسألة فيها خلاف ، راجعه في كتاب صلاة المؤمن ص 944_-_.
و لعل هذا إذا اجتمعت الكلمتان فقيل: كسوف و خسوف ، أما إذا انفردت كل واحدة عن الأخرى فهما بمعنى واحد، و لهذا نظائر في اللغة العربية ، و الله تعالى أعلم _-_ الشرح الممتع م 5 ص 229 _-_.
-( ثانيا: معنى كون الكسوف و الخسوف آيتان من آيات الله ، و شرح الحديث الوارد في ذلك )-
الكسوف أو الخسوف آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال [ إن الشمس و القمر لا يخسفان لموت أحد و لا لحياته و لكنهما آيتان من آيات الله فإذا رأيتموهما فصلوا ] _-_ رواه البخاري برقم 1042_-_
؛ و لحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ إن الشمس و القمر لا ينكسفان لموت أحد من الناس ، و لكنهما آيتان من آيات الله ، فإذا رأيتموهما فقوموا فصلوا ] _-_ متفق عليه فرواه البخاري برقم 1041 ، و مسلم برقم 911_-_.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله ( آيتان ) أي علامتان ، ( من آيات الله ) أي الدالة على وحدانية الله ، و عظيم قدرته ، أو على تخويف العباد من عذاب الله و سطوته ، و يؤيده قوله تعالى { و ما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون و ءاتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها و ما نرسل بالآيات إلا تخويفا } ــ الآية 59 من سورة الإسراء ــ _-_ فتح الباري م 2 ص 528 _-_ ؛ و لحديث أبي بكرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ إن الشمس و القمر آيتان من آيات الله ، لا ينكسفان لموت أحد ، و لكن الله تعالى يخوف بهما عباده ] _-_ رواه البخاري برقم 1048 _-_.
و عن عائشة رضي الله عنها ترفعه [ إن الشمس و القمر لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياته ، و لكنهما من آيات الله يخوف الله بهما عباده ، فإذا رأيتم كسوفا فاذكروا الله حتى ينجلي ] _-_ رواه مسلم برقم 901 _-_.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : و كأن بعض الناس ظن أن كسوفها [ أي الشمس ] كان ؛ لأن إبراهيم مات ، فخطبهم النبي صلى الله عليه و سلم و قال [ إن الشمس و القمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد و لا لحياته فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة ] _-_ متفق عليه _-_ ، و في رواية في الصحيح [ و لكنهما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده ].
و هذا بيان منه صلى الله عليه و سلم أنهما سبب لنزول عذاب الناس ، فإن الله تعالى إنما يخوف عباده بما يخافونه إذا عصوه ، و عصوا رسله ، و إنما يخاف الناس مما يضرهم فلولا إمكان حصول الضرر بالناس عند الخسوف ما كان ذلك تخويفا ، قال تعالى { و ما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون و ءاتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها و ما منعنا أن نرسل بالآيات إلا تخويفا ، و أمر النبي صلى الله عليه و سلم بما يزيل الخوف : أمر بالصلاة ، و الدعاء ، و الإستغفار ، و الصدقة ، و العتق ، حتى يُكشف ما بالناس ، و صلى بالمسلمين صلاة الكسوف صلاة طويلة _-_ مجموع الفتاوى: م 24 ص 258 و 259 و م 35 ص 169 _-_.
و هذا يؤكدالإستعداد بالمراقبة لله تعالى ، و الإلتجاء إليه سبحانه ، خاصة عند اختلاف الأحوال و حدوث ما يُـخاف بسببه _-_ راجع حاشية ابن قاسم على الروض المربع شرح زاد المستقنع : م 2ص524_-_.
-( ثالثا: أسباب الكسوف الحسية و الشرعية )-
ـــ السبب الحسي ـــ
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: و في قوله صلى الله عليه و سلم [ لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياته ] ، قولان:
-- أحدهما: أن موت الميت و حياته لا يكون سبب انكسافهما ، كما كان يقوله كثير من جهال العرب و غيرهم عند الإنكساف ، أن ذلك لموت عظيم ، أو ولادة عظيم ، فأبطل النبي صلى الله عليه و سلم ذلك ، و أخبر أن موت الميت و حياته لا يؤثر في كسوفهما البتة.
-- و الثاني : أنه لا يحصل عند انكسافهما موت و لا حياة ، فلا يكون انكسافهما سببا لموت ميت و لا لحياة حي ، و إنما ذلك تخويف من الله لعباده أجرى العادة بحصوله في أوقات معلومة ، بالحساب: طلوع الهلال و إبداره و سراره.
فأما سبب كسوف الشمس فهو توسط القمر بين جرم الشمس و بين أبصارنا.
و أما سبب خسوف القمر فهو وسط الأرض بينه و بين الشمس حتى يصير القمر ممنوعا من اكتساب النور من الشمس ، و يبقى ظلام ظل الأرض في ممره ؛ لأن القمر لا ضوء له أبدا و أنه يكتسب الضوء من الشمس _-_ مفتاح دار السعادة لابن القيم : م 3 ص 213حتى 215 _-_.
=( العلم بوقت الكسوف ليس من علم الغيب )=
قال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله:
الخسوف و الكسوف لهما أوقات مقدرة كما لطلوع الهلال وقت مقدر ، و ذلك مما أجرى الله عادته بالليل و النهار، و الشتاء و الصيف ، و سائر ما يتبع جريان الشمس و القمر ، و ذلك من آيات الله ... و كما أن العادة التي أجراها الله تعالى أن الهلال لا يستهل إلا ليلة ثلاثين من الشهر ، أو ليلة إحدى و ثلاثين ، و أن الشهر لا يكون إلا ثلاثين أو تسعة و عشرين ، فمن ظن أن الشهر يكون أكثر من ذلك أو أقل فهو غالط ، فكذلك أجرى الله العادة أن الشمس لا تكسف إلا وقت الإستسرار ، و أن القمر لا يخسف إلا وقت الإبدار ، و وقت إبداره الليالي البيض التي يستحب صيامها ، ليلة الثالث عشر ، و الرابع عشر ، و الخامس عشر ، فالقمر لا يخسف إلا في هذه الليالي ، و الهلال يستسر آخر الشهر إما ليلة أو ليلتين ، كما يستسر ليلة تسع و عشرين،وثلاثين ، و الشمس لا تكسف إلا وقت استسراره ، و للشمس و القمر ليلي معتادة من عرفها عرف الكسوف و الخسوف ، و ليس خبر الحاسب بذلك من علم الغيب ، و من قال من الفقهاء إن الشمس تكسف في وقت الإستسرار فقد غلط و قال ما ليس له به علم .. _-_ مجموع الفتاوى:م 24 ص 254 حتى 257، و م 35 ص 175 _-_.