السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان
قال الله تعالى:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } الآية من سورة المائدة، وقال تعالى: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ } ا
لآية من سورة الشورى وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد
وأوضح صلى الله عليه وسلم أن كل ما يحدثه الناس بعده
وينسبونه إلى دين الإسلام من أقوال أو أعمال،
فكله بدعة مردود على من أحدثه،
ولو حسن قصده، وقد عرف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر،
وهكذا علماء الإسلام بعدهم، فأنكروا البدع وحذروا منها،
كما ذكر ذلك كل من صنف في تعظيم السنة
وإنكار البدعة كابن وضاح ، والطرطوشي،
وأبي شامة وغيرهم.
ومن البدع التي أحدثها بعض الناس:
بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان،
وتخصيص يومها بالصيام،
وليس على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه،
وقد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها،
أما ما ورد في فضل الصلاة فيها، فكله موضوع،
وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله في كتابه: (الحوادث والبدع) ما نصه
: (وروى ابن وضاح عن زيد بن أسلم، قال: ما أدركنا أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان، ولا يلتفتون إلى حديث مكحول، ولا يرون لها فضلا على ما سواها).
وقيل لابن أبي مليكة : إن زيادا النميري يقول
: (إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر)، فقال: (لو سمعته وبيدي عصا لضربته) وكان زياد قاصا، انتهى المقصود
وقال العلامة: الشوكاني رحمه الله في: (الفوائد المجموعة) ما نصه: (حديث: يا علي من صلى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب
وقل هو الله أحد عشر مرات قضى الله له كل حاجة إلخ وهو موضوع،
وفي ألفاظه المصرحة بما يناله فاعلها من الثواب ما لا يمتري إنسان له تمييز في وضعه، ورجاله مجهولون،
وقد روي من طريق ثانية وثالثة كلها موضوعة ورواتها مجاهيل،
وقال في: (المختصر): حديث صلاة نصف شعبان باطل،
ولابن حبان من حديث علي : (إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها)،
ضعيف
وقال في: (اللآلئ): مائة ركعة في نصف شعبان بالإخلاص عشر مرات مع طول فضله،
للديلمي وغيره موضوع،
وجمهور رواته في الطرق الثلاث مجاهيل ضعفاء
قال: واثنتا عشرة ركعة بالإخلاص ثلاثين مرة موضوع وأربع عشرة ركعة موضوع.
وقال الحافظ العراقي : (حديث صلاة ليلة النصف موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذب عليه،
وقال الإمام النووي في كتاب: (المجموع): (الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب، وهي اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء،
ليلة أول جمعة من رجب،
وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة،
هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان،
ولا يغتر بذكرهما في كتاب: (قوت القلوب)، و(إحياء علوم الدين)، ولا بالحديث المذكور فيهما،
فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما، فإنه غالط في ذلك) .
ومما تقدم من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم،
يتضح لطالب الحق أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها،
وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم،
وليس له أصل في الشرع المطهر،
بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم،
ويكفي طالب الحق في هذا الباب وغيره
قول الله عز وجعل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وما جاء في معناها من الآيات،
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد
وما جاء في معناه من الأحاديث، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يومها بالصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم فلو كان تخصيص شيء من الليالي، بشيء من العبادة جائزا، لكانت ليلة الجمعة أولى من غيرها. لأن يومها هو خير يوم طلعت عليه الشمس، بنص الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من تخصيصها بقيام من بين الليالي، دل ذلك على أن غيرها من الليالي من باب أولى، لا يجوز تخصيص شيء منها بشيء من العبادة، إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص.
البدع في شعبان
البدع المشتهرة في شعبان
* صلاة البراءة :
وهي تخصيص قيام ليلة النصف من شعبان وهي مائة ركعة .
* صلاة ست ركعات :
بنية دفع البلاء وطول العمر والاستغناء عن الناس .
* قراءة سورة { يس }
والدعاء في هذه الليلة بدعاء مخصوص بقولهم (( اللهم يا ذا المن ، ولا يمن عليه ، يا ذا الجلال والإكرام .. ))
* اعتقادهم ان ليلة النصف من شعبان هي ليلة القدر .
. قال الشقيري : وهو باطل باتفاق المحققين من المحدثين . أهـ ( السنن والمبدعات 146 ) وذلك لقوله تعالى { شهر رمضان وذلك لقوله تعالى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } وقال تعالى { إنا أنزلناه في ليلة القدر } وليلة القدر في رمضان وليس في شعبان .
* تاريخ حدوث هذه البدعة
قال المقدسي :
(( وأول ما حدثت عندنا سنة 448هـ قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس يُعرف بابن أبي الحميراء وكان حسن التلاوة ، فقام يصلي في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان ،
فأحرم خلفه رجل ثم انضاف ثالث ورابع فما ختمها إلا هو في جماعة كثيرة .. )) الباعث على انكار البدع والحوادث 124-125
قال النجم الغيطي : إنه قد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز منهم عطاء وابن أبي مُليكة وفقهاء المدينة وأصحاب مالك وقالوا : ذلك كله بدعة . أهـ ( السنن والمبتدعات للشقيري 145 )
واعلم رحمك الله أن ما أوقع هؤلاء في هذه البدعة القبيحة هي اعتمادهم على الآتي : * عن علي رضي الله عنه مرفوعا قال : (( إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها ))
وقد رواه بن ماجه في السنن 1388 وهو حديث موضوع
* وحديث (( إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد غنم بني كَلْب ))
وقد رواه بن ماجة 1389 وهو حديث ضعيف
والحاصل أن هذه الأمور لم يأت فيها خبرٌ ولا أثرٌ غير الضعاف والموضوعات :
قال الحافظ ابن دحية : (( قال أهل التعديل والتجريح :
ليس في حديث النصف من شعبان حديثٌ يصح ،
فتحفّظوا عباد الله من مُفترٍ يروي لكم حديثًا يسوقه في معرض الخير ،
فاستعمال الخير ينبغي أن يكون مشروعًا من الرسول صلى الله عليه وسلم ،
فإذا صح ّ أنه كذب خرج من المشروعية ، وكان مستعمله من خدم الشيطان لاستعماله حديثًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُنزل الله به من سلطان )) أهـ ( الباعث على انكار البدع والحوادث لأبي شامة المقدسي 127)
* حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان ؟؟
سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله عن ليلة النصف من شعبان ؟ وهل لها صلاة خاصة ؟
فأجاب :
ليلة النصف من شعبان ليس فيها حديث صحيح .. كل الأحاديث الواردة فيها موضوعة وضعيفة لا أصل لها وهي ليلة ليس لها خصوصية ، لا قراءة ولا صلاة خاصة ولا جماعة ..
وما قاله بعض العلماء أن لها خصوصية فهو قول ضعيف فلا يجوز أن تخص بشيء .. هذا هو الصواب وبالله التوفيق